أحب في هذه المقالة التعريف بالمدرسة الأسبانية لركوب الخيل في فيينا بالنمسا. والحقيقة أن لهذه المدرسة أهمية خاصة في الفروسية وركوب الخيل لأسباب سنذكرها لاحقا بالتفصيل بإذن الله. ومن أهم هذه الأسباب أن هذه المدرسة قد حافظت على تقاليد ركوب الخيل الكلاسيكية على مدار سنوات طويلة كما سنرى. والأسس التي يسير عليها التدريب في هذه المدرسة تعتبر هي الأسس التي يسير عليها كل ممارسي رياضة ركوب الخيل على كافة اتجاهاتهم ومشاربهم. ومن هذه الأسس تفرعت بعض الأساليب والتقنيات الحديثة، التي قد تكون أضرت برياضة ركوب الخيل في بعض الأحيان. أما التقاليد الأصلية لمدرسة ركوب الخيل الإسبانية، لا تزال موجودة في المدرسة ومحافظ عليها من قبل الكثير من عشاق ركوب الخيل الذين يعشقون الأصالة.
وبعيدا عن الغموض، دعونا أولا نستعرض سويا تاريخ هذه المدرسة العريقة لنفهم ما الذي تعنيه في مجال ركوب الخيل.
أسس التدريب في المدرسة تعود للقرن الثامن عشريقول ألوي بوداسكي في كتابه الأشهر “التدريب الكامل للفارس والجواد على أسس الفروسية الكلاسيكية”، يقول ما نصه:
<blockquote>في بداية القرن الثامن عشر، أصبح فن ركوب الخيل متأثرا بشكل شبه حصري بفرنسا. وكان أستاذ ركوب الخيل الكبير “دي لا جيرينيير”، كان قد ألف الكتاب الذي أحدث أكبر ثورة في تاريخ ركوب الخيل على مر العصور. على عكس كتابات سابقيه، كان كتابه واضحا وسهل الفهم. لقد كتبه على أسس من البساطة والحقائق ليكون مفهوما بشكل كامل من قبل قرائه. ولا حاجة لمناقشة تعاليم جيرينيير بالتفصيل في هذا الكتاب، ليس لأنها غير مهمة، بل لأنها مطبقة بدون أدنى تغيير في مدرسة ركوب الخيل الإسبانية، ويمكن مشاهدتها هناك يوميا بشكل عملي.</blockquote>
تجدر الإشارة هنا إلى أن ألوي بوداسكي هو أحد أهم معلمي فن ركوب الخيل في العصر الحديث، وسنتحدث عنه هو الآخر وعن كتابه المشار إليه في موضوعات لاحقة. وكان ألوي يشغل منصب مدير مدرسة ركوب الخيل الإسبانية في فيينا. وهو هنا في كتابه المشار إليه، يقرر أن كتابات دي لا جيرينيير في بدايات القرن الثامن عشر هي الأساس التي تقوم عليه طرق التدريب في مدرسة ركوب الخيل الإسبانية بشكل حرفي تقريبا.
ويشير ألوي في كتابه إلى أن المدارس التي أقيمت على الأسس التي وضعها دي لا جيرينيير قد ضاعت مع الحملات النابوليونية، ولم يتبقى إلا مدرسة ركوب الخيل الإسبانية في فيينا هي التي حافظت على هذه التعاليم حرفيا حتى يومنا هذا.
طرق التدريب المستخدمة في المدرسةتعتبر مدرسة ركوب الخيل الإسبانية في فيينا رائدة فن ركوب الخيل الكلاسيكي. وكلمة الكلاسيكي هذه كلمة مهمة جدا في عالم ركوب الخيل، وسنعرف أبعادها بالتفصيل لاحقا بإذن الله. ولكن مبدئيا، توحي هذه الكلمة بالأصالة في فن ركوب الخيل في مقابل الطرق الحديثة في التدريب. إذن الكلاسيكية هنا تقابل الحداثة. والحداثة ليست بالضرورة تعني التطور التقني الذي يساعد على إنجاز الأمور بشكل أكثر كفاءة، ولكنها قد تعني أيضا الاستعجال في التدريب واستخدام أساليب تتميز بالقسوة وعدم الآدمية في التعامل في بعض الأحيان. أما الكلاسيكية في المقابل تعني مراعاة الطبيعة والتدرج الطبيعي للأمور وعدم الاستعجال في الوصول للنتائج، بل الصبر واستخدام الأساليب الآدمية في التدريب، التي طالما استخدمها أجدادنا الفرسان على مر العصور، أيام كانت الفروسية تعني الأخلاق الحميدة والنبل.
فالكلاسيكية في التدريب تعني الطرق التي كانت مستخدمة قديما، والتي كانت تراعي التدرج الطبيعي للأمور وعدم الاستعجال والبعد عن القسوة في التدريب وهكذا. فعلى سبيل المثال، لا يتم استخدام أدوات وأجهزة خاصة لاستعجال الحصول على نتائج من الجواد، قد تتطلب الوصول إليها بالطرق التقليدية وقتا أطول. فطرق التدريب الكلاسيكي تفضل الانتظار والإتقان على الاستعجال والقسوة.
إذن، مدرسة ركوب الخيل الإسبانية حافظت على هذه التقاليد الأصيلة العريقة في التدريب.
زينوفون والمدرسة الإسبانية لركوب الخيليعتبر الفارس اليوناني زينوفون، والذي عاش في فترة الأربعمائة قبل الميلاد تقريبا، يعتبر من الأسماء اللامعة في فن ركوب الخيل الكلاسيكي. لأن كتابه الذي ألفه في هذه الفترة، وصف فيه طرق التعامل مع الخيل وتدريبها وكيفية ركوبها بشكل إنساني آدمي، تبرز فيه صفات الفارس النبيلة. وكتابات زينوفون بالتحديد هي التي ينبني عليها فن ركوب الخيل الكلاسيكي في التآليف الأوروبية ومنها بالطبع مدرسة ركوب الخيل الإسبانية.
العرب وفن ركوب الخيلوفي خضم حديثنا عن فن ركوب الخيل وعن المدرسة الإسبانية لركوب الخيل، لا ننسى دور العرب البارز في هذا المجال، والذي سبق زينوفون بمئات السنين، حيث أن أول من ركب الخيل هو سيدنا إسماعيل أبو العرب، وركبها بتعليم من الله عز وجل، إذ لم يتعلم هذا الفن من بشر قبله. ولذلك، فبإذن الله سنتحدث تفصيلا عن فن ركوب الخيل عند العرب في مقالات مستقلة إن شاء الله.