حقيقة الانسحاب الأمريكي من العراق

كان الملف العراقي إحدي أهم القضايا التي تضمنها البرنامج الانتخابي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي كانت لديه رؤية مغايرة لسلفه جورج بوش الابن. فبينما كان بوش يري في زيادة القوات العسكرية السبيل الأمثل للتصدي لأعمال 'العنف' في العراق، فقد اتخذ أوباما اتجاها مغايرا مؤداه أن 'الانسحاب المسئول' من العراق هو الحل الناجع لإغلاق هذا الملف، وذلك من خلال جدول زمني مدته ستة عشر شهرا من تاريخ توليه مسئولية الحكم، ومن ثم فقد حدد 31 أغسطس 2010 موعدا لنهاية العمليات القتالية في العراق، عازما سحب جميع قواته من هناك بحلول نهاية عام 2011، مع إبقاء 50 ألف جندي لتدريب ودعم القوات العراقية، مع تغيير اسم المهمة العسكرية بالعراق من عملية 'حرية العراق' إلي عملية 'الفجر الجديد'، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول حقيقة هذا الانسحاب، وتأثير ذلك في مستقبل العراق أولا، ثم منظومة الأمن الإقليمي الخليجي ثانيا.

ثمة مفاهيم ثلاثة في سياق الحديث عن علاقة الولايات المتحدة بالعراق، وهي الانسحاب، وتخفيض القوات، وإعادة الانتشار. فالانسحاب يعني ببساطة إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها بشكل كامل من العراق، وإنهاء حالة الاحتلال، وعودة السيادة كاملة للحكومة العراقية، وتلك عملية لا تبدو من السهولة بمكان. إذ إن هذه القوات تحتاج إلي خطة تأمين انسحاب ومراحل غيرها، وهو ما لم يحدث، بل إنه ربما يكون من المستحيل الحديث عن عراق للعراقيين كما كان عليه الحال قبل عام 2003.

أما تخفيض القوات فهي سياسة ليست بجديدة، فقد كان المحافظون الجدد أول من أقروها، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية عن سحب 50 ألف جندي نهاية عام 2006، ثم تلاها تخفيض كبير عام 2007، وصولا إلي إعلان الرئيس أوباما في نهاية أغسطس 2010 انتهاء الأعمال القتالية وتخفيض القوات الأمريكية المقاتلة في العراق، مع الإبقاء علي 50 ألف جندي بغرض تدريب قوات الأمن العراقية، بالإضافة إلي 94 قاعدة عسكرية و5 قواعد في شكل مدن عسكرية تتوزع علي أرض العراق. ولا توجد معلومات مؤكدة بشأن أماكن تلك القواعد بشكل محدد، إلا أنها ستكون علي الأرجح خارج المدن العراقية، وربما تتمركز في الصحراء بالمناطق المتاخمة للحدود الإيرانية.

أما إعادة الانتشار، فهي ستكون مرحلة لاحقة لموعد الانسحاب النهائي عام 2011. فقد لا تغادر كافة القوات الأمريكية العراق، ليتولي ما سيتبقي منها مهمة التصدي للمخاطر الأمنية المحتملة ضد مصالح الولايات المتحدة، بالإضافة إلي الرغبة في إبقاء العراق تحت السيطرة الأمريكية..