ففي الجانب الأخلافي يرى.. بل ديورانت في سلسلته " قصة الحضارة ".
[والأخلاق هي التقاليد التي ترى الجماعة الأغنى عنها لسعادتهم وتقدمهم بعد أن تعلمت من الانتخاب الطبيعي الذي يُبقي على الصالح ويزيل الفاسد خلال ما يصادفه الناس من تجارب يجرونها في الحياة، فيخطئون هنا وهناك، هذه التقاليد الحيوية أو الأخلاق في الجماعات البدائية التي لا تعرف قانوناً مكتوباً تنظم كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية وتكسب النظام الاجتماعي إطراداً وثباتاً، وهذه التقاليد إذا ما انقضى عليها الزمن، وخلع عليها سحره شيئاً فشيئاً فإنها بطول تكرارها، تصبح للفرد طبيعة ثانية، إن جاوز حدودها، شعر بالخوف أو القلق أو العار، وذلك أصل الضمير أو الحس الأخلاقي].
يقول: روبرت ميكللان:
[إن أهم أمر في الحياة هو الإيمان بحقيقة المعنويات، وقيمة الأخلاق، ولقد كان زوال هذا الإيمان سبباً للحرب العامة، وإذا لم نجتهد الآن لاكتسابه أو لتقويته فلن يبقى للعلم قيمة بل يصير العلم نكبة على البشرية][7].
فالمجتمع البدائي.. كان يضع قانوناً، وفق متطلباته، وبيده يصنع المنهج محاولاً بذلك السير السليم في وحل من الطين، ولكنه سعى محاولاً التمييز بين الخطأ والصواب، ومعرفة المعقول واللامعقول بحكم البداهة والتجربة والنتائج، في عالم يسوده الظلم والقهر والانتقام.
وكما هو واضحاً الآن، بأن الأصل في الاهتداء إلى ذلك هو المخلوق البشري الذي يمتلك القدرة من الوضوح والبيان أمام صورتي الحق والباطل.
وإذا كان هذا النظام، قانوناً إلزامياً يسير عليه الرفيع والوضيع والأبيض والأسود بلا استثناء في النوعية والصنف، فلا بد إذن أن يجرى على الجميع بعيداً عن كون أفراده ذكوراً أم إناثاً.
[إن المقاييس الأخلاقية التي يصنعها المجتمع يفترض فيها أن تسري على جميع أفراده، أما أن تسري على جنس دون آخر، فإنها تخرج عن كونها قيمة أخلاقية، وتعتبر قانوناً فرضه النظام الاجتماعي القائم وإذا كان الرجال هم السادة في المجتمع، فإنهم دعوا النساء إلى الالتزام بقيم الشرف والعفة ليضمنوا خضوعهن، على حين ينطلق الرجال فيبيحون لأنفسهم الاستمتاع بكل ما حرموه على النساء][8].
فالواقع الحياتي في القانون البدائي، كان يتطلب الخضوع للنظام القائم، والالتزام الكامل بما تقتضيه الأعراف والتقاليد الضابطة للقيم الأخلاقية على الصعيدين العائلي والاجتماعي.
ومع كل هذه المحاولات الإصلاحية المبذولة في خدمة المجتمع البدائي لحفظ القانون الأخلافي إلا إن الواقع لم يكن يخلو من حالات التمرد على القانون، والخروج عن النظم الأخلاقية.
كتب روسو في كتابه (إميل) في إشادته للروابط العائلية، إن المرأة ليست أكثر من خادمة وضعتها الطبيعة في تصرف الرجل، لقد وجدت المرأة لتطيع، لذا عليها أن تتعلم مبكراً،كيف تتقبل الجور والظلم وتتحمل أخطاء الزوج دون أن يرتفع لها صوت بالشكوى.
[كانت المرأة تلد الأطفال بكثرة وتربيهم، وتحفظ الكوخ أو الدار في حالة جيدة، وتجمع الطعام من الغابات والحقول وتطهي وتنظف وتصبغ الثياب والأحذية.... بل كانت قادرة على أداء العمل الشاق على مدى ساعات طويلة بل كانت لها القدرة، إذا دعت الضرورة على المقاتلة حتى الموت في سبيل أبنائها وعشيرتها... وإن معظم التقدم الذي أصاب الحياة الاقتصادية في المجتمع البدائي كان يُعزى للمرآة أكثر مما يعزى للرجل، بينما ظل الرجل قروناًً متمسكاً بأساليبه القديمة من صيدٍ ورعي، كانت هي تطوِّر الزراعة على مقربة من محال السكنى، وتباشر تلك الفنون المنزلية، التي أصبحت فيما بعد، أهم ما يعرف الإنسان من صناعات، ومن (شجرة الصوف) نبات القطن، جعلت المرأة تغزل الخيط وتنسج الثياب القطنية وهي التي ـ على أرجح الظن ـ تقدمت بفنون الحياكة والنسج، وصناعة السلال والخزف، وأشغال الخشب والبناء، بل هي التي قامت بالتجارة في حالات كثيرة، والمرأة هي التي طوَّرت الدار][9].
[ويقول (برند دينو) محدداً الوقت المناسب لضرب الزوجة، (أوصيكم أيها الرجال، ألا تضربوا زوجاتكم وهن حاملات، فإن في ذلك أشد الخطر عليهن، ولست أعني بهذا أنكم يجب ألاّ تضربوهن أبداً، ولكن! الذي أعنيه أن تختاروا الوقت المناسب لهذا الضرب، وأنا أعرف رجالاً يهتمون بالدجاجة التي تضع بيضة كل يوم أكثر من اهتمامهم بأزواجهم زاد فقد تكسر الدجاجة أحياناً وعاءً وقدحاً ، ولكن الرجل لا يضربها خشية أن يفقد بذلك البيضة التي يحصل عليها منها.
إذن ما أشد جنون الكثيرين من الرجال الذين لا يطيقون سماع كلمة من زوجاتهم اللائي يأتين لهم بهذه الثمار الطيبة، ذلك أن الواحد منهم إذا سمع من زوجته كلمة يرى أنها نابية، عمد من فوره إلى عصا وشرع يضربها بها، أما الدجاجة التي لا تنقطع عن الوقوقة طول النهار، فإنه يصبر عليها من أجل بيضها][10].